منتديات قسوم
هلا بيكم ياغالين
انتم في مضيفنا
نورتو
هلا ورحب
منتديات قسوم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات قسوم

منتديات عامة وشاملة ...... مرحيا بكم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول




مواضيع مماثلة

 

 العبادة و الحياة

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
A.M.S
مستشار الموقع
A.M.S


mms mms : العبادة و الحياة  D16
عدد المساهمات : 498
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 10/06/2010
العمر : 29
الموقع : https://kssoom.yoo7.com/forum

العبادة و الحياة  Empty
مُساهمةموضوع: العبادة و الحياة    العبادة و الحياة  Icon_minitime1الأربعاء أكتوبر 27, 2010 6:18 am

العبادة و الحياة




بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, أما بعد:

فإن الله تعالى قد خلق الخلق لعبادته؛ وأسكنهم في هذه الدار ليتزودوا منها للآخرة علما وعملا؛ ولم يتركهم سبحانه وتعالى سدى هملا؛ بل أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه؛ يُبيِّنون للناس ما عليهم من الحق لربِّهم تبارك وتعالى، وما لهم عنده سبحانه من الأجر والثواب إن هم أطاعوه وأخلصوا الوجه له سبحانه، كما أنذرهم وحذرهم عاقبة الإعراضِ عن دينه وشرْعِهِ من الشقاء في الدنيا والعذابِ في الآخرة؛ كما قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى }؛ وذِكْرُهُ تعالى: هو القرآن؛ والمعيشة الضنك: الضيقة؛ وقيل: المراد عذاب القبر.

وإنما مثل الإنسانِ في هذه الدنيا كمثلِِ رجل أراد أن يجوزَ أرضا كثيرة المهالك؛ كثيرةَ السباعِ والعقارب والحيات؛ ينزلُها اللصوصُ وقطاعُ الطريق؛ وقد وقفَ على مدْخلِها رجل ناصح أمين؛ قد علم مَداخلها ومخارجها؛ واطّلع على مهالكها ومعاطبها؛ وأحكم معرفةَ طريقِ النجاة والسلامةِ منها؛ فإذا رأى من يَهِمُّ بدخولِها دَلّه وأرشدَه؛ وحذره وأنذره؛ فإن استجابَ للواعظ أدلج ونجا؛ وإن أخذت به الطريق ذات اليمين وذات الشمال هلك في شعابِها وأوديتِها؛ ولا يَلُومَنّ إلا نفسه.

وهكذا العبد في هذه الدنيا؛ لا خلاص له إلا بِلُزُومِ هُدى الله تعالى؛ وامتثالِ أوامِره واجتنابِ نواهيه؛ ولذا كانت حاجةُ العبد إلى هدايَةِ الله تعالى أعظمَ مِن حاجتِهِ إلى الطعامِ والشراب؛ فإنه يكفيه مِنه في يومهِ وليلتِهِ المرَّةُ والمرتان؛ وهو لا غنىً له عن هدايَةِ الله تعالى وتوفيقه طَرْفَةَ عين؛ ولذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين.

ثم أنواع الهداية التي لا يستغني العبد عنها ثلاثة:

هدايةُ البيانِ والدَّلالة؛ ومعناها: بيان طريق النجاة والفلاح للعبد؛ كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ }؛ أي: بينّا له طريقَ الخيرِ والشر. وقال: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }؛ أي: بينا له في حالِ شكرهِ أو كُفْرِهِ طريقَ الهدى بما أرسلناه من الرسل وأنزلناه من الكتب.

والثانِيةُ: هِدايَةُ التوفيقِ والإلْهام؛ وهي: تَوفيقُ الله لِعَبْدِهِ وعونُهُ له على لزومِ الحقِّ بعْدَ أنْ عَرَفَهُ؛ لا كَحَال من يعرفُ الهدى ثم يُعْرِضُ عنه؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }؛ فالذين اهتدَوْا هم المُؤمِنُون؛ زادَهمْ الله هدىً؛ وألْهَمَهُمْ مِن أنواعِ الطاعاتِ والقُرُباتِ ما يَرْضى الله بِهِ عنهم؛ وما يَتَّقُونَ بهِ سخطه وعذابَه.

والثالثة: هدايةُ الثباتِ حتى الممات؛ وقد كان أكثرُ دعاءِ النبي صلى الله عليه وسلم كما روي الإمام أحمدُ في المسندِ وغيرُهُ من الأئمة رحمهم الله عن أنس بن مالك وعن أبي هريرة وعن عائشةَ وأمِّ سلمةَ أمهاتِ المؤمين رضيَ الله عنهم أجمعين: (يا مقلب القلوب ! ثبت قلبي على دينك). وفي التنزيلِ مِنْ دُعَاءِ المؤمنينَ قولُهُ تعالى: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.

وهذا مِنَ الدُّعاءِ الذي يَنْبَغِي أَن يلْزَمَهُ المسلِم في زماننا هذا خاصَّةً؛ لِكَثرةِ الفِتَنِ والشرور؛ واختلافِ الأهواءِ؛ وطُغْيانِ الشهوات؛ بلْ صارتْ الدنيا تُطْلَبُ بِعملِ الآخرَةِ؛ ولا عاصِمَ مِن أمرِ الله إلا من رحم؛ ولا حول ولا قوّةَ إلا بالله.

واعلم أن العلماء رحمهم الله قد ذكروا جُمْلةَ مقاصدِ القرآن؛ ولهم في ذلك طرقٌ كثيرة؛ منها ما حكاه السيوطي في الإتقانِ عنِ الغزاليِّ رحمه الله أنه قال:

مقاصدُ القرآنِ ستةٌ: ثلاثَةٌ مُهِمَّةٌ، وثلاثةٌ مُتِمَّةٌ.

فالأول: تعريفُ الْمَدْعُوِّ إِلَيْهِ كما أُشِيرَ إليهِ بِصَدْرِهَا؛ يَعْنِي تَعريفَ العبدِ بخالِقِهِ؛ كما أُشيرَ إليه في صدْرِ سورَةِ الفاتِحَةِ؛ وقد تَضَمَّنَ إثباتَ توحيدِ الألوهيَّة وتوحيدِ الربوبِيَّةِ وتوحيدِ الأسْماءِ والصِّفات.

والثانِي: تعريفُ الصراطِ المستقيمِ، وقد صرَّح به فيها، وهو صراطُ المُنْعَمِ عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

والثالثُ: تعريفُ الحالِ عندَ الرجوعِ إليه تعالى؛ وهو الآخرةُ؛ كما أشير إليه ب: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.

والرابعُ: تعريفُ أَحْوال الْمُطِيعِينَ؛ كما أُشِيرَ إليه بقوله: {الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ}.

والخامسُ:حكايةُ أقوالِ الجاحدين؛ وقد أُشيرَ إليها ب {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }؛ وكل من عرفَ طريقَ الحقِّ ثم نَكَبَ عنه وخالَفَهُ فهو من المَغضوبِ عليهم، وأما الضالُّون فلم يَهْتَدُوا إلى الحقِّ أصْلا.

والسادِسُ: تعريفُ منازلِ الطريقِ؛ كما أُشِير إليه بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. انتهى.

ثُمَّ المقصدُ الأعظَمُ الجامِعُ لِكُلِّ هذه المقاصِدِ هو توحيدُ الله تعالى؛ كما قال أبو حامدٍ الغزاليُّ في جواهِرِ القُرْآن: سِرُّ القُرْآنِ ولُبَابُهُ الأَصْفَى ومَقْصَدُهُ الأَقْصَى دعوةُ العبادِ إلَى الجبّارِ الأَعْلَى؛ رَبِّ الآخرَةِ والأُولَى؛ خالقِ السَّماواتِ العُلُى و الأَرَضِينَ السُّفْلَى؛ وما بَيْنَهُمَا وما تَحْتَ الثَّرَى. انتهى.

وذلك هو حقُّ الله تعالى؛ الذي لأجلِهِ خلقَ الخلقَ؛ قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }؛ أيْ لِيُوَحِّدُون؛ فهذا بيانٌ للغايَةِ التي لأجْلِها خُلِقَ الخلْقُ، لا يقال فالكافِرُ لا يَعْبُدُ الله!؛ لأنَّهُ مَأْمورٌ بذلِكَ وإن لم يَعْبُدْهُ؛ والغايَةُ لا يلزم وُجُودُها؛ كما لو قُلْتَ: بَرَيْتُ القَلَمَ لأكْتُبَ بِهِ؛ وقَد لا تكتبُ به!.

ومِن أبوابِ البُخاريِّ في الصحِيح: بابُ ما جاءَ في دُعاءِ النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّم إلى تَوْحيدِ الله تبارَك وتعالى. بلْ هو دعوةُ جَميعِ الأنبياء والمرسلين؛ صلواتُ الله وسَلامُهُ عليهم أجمعين.

فَلأجْلِ التوحيدِ بَعثَ الله عز وجلَّ الرسلَ؛ وأنزلَ الكتب؛ وشَرَعَ الشرائع؛ ولأَجْلِهِ أمرَ بالجهادِ في سبيلِ الله؛ ولأجْلِهِ انقسمَ الخلقُ إلى المؤمنين والكفار؛ ولأجْلِهِ قامَ سوقُ الجنَّةِ والنار؛ ولأجْلِهِ خلقَ الله الموتَ والحياة؛ ولأجلِهِ يُبْعَثُ الخلقُ بعد الممات؛ ولأجْلِهِ يقومُ الناسُ لربِّ العالمين؛ وعليه قبلَ غيره يُحَاسَبُون؛ ولأجْلِهِ يُضْرَبُ الصراطُ بين ظَهْرانَي جَهَنَّم؛ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ؛ وناجٍ مَخْدُوشٌ؛ وهاوٍ مُكَرْدسٌ في نارِ جَهَنَّمَ؛ أَعاذنا الله منها.

فلْيَتَدَبَّرِ العاقِلُ؛ ولْيَعَتَبِرِ الغافِلُ؛ ما خَلَقَهُ الله في هذه الدّنيا عَبَثاً؛ وإنَّهُ لخَطْبٌ جَلل؛ وإنَّ حياةً تَنْتَهي بالموتِ لَقصيرَةٌ وإن طالتْ!؛ فتَأمَّل يا عبد الله:

خَلَقَكَ الله تعالى فِي أَحْسنِ تَقويم؛ وسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ؛ أوْجَدَكَ بَعد أن كنت عدماً مِن ماءٍ مَهين؛ وأَودَعَ فيكَ مِن عَجَائبِ الخَلْقِ وبَدائعِ الصنع ما يُحَيِّرُ الألْباب؛ كَنْتَ في رَحِم أمكَ نُطْفَةً فعَلَقَةً فَمُضْغَةً؛ لا فُؤادَ لها ولا سَمْعَ ولا بَصرَ؛ وكلُّ مادَّةٍ منها من جِنْسٍ واحد؛ فالنطفةُ من الماء؛ والعلقة من الدم؛ والمضغةُ من اللحم، ثم يخلقُ الله المضغةَ عظاما؛ ثم يكسو العظام لحما؛ ويشقُّ سَمْعَهُ وبصرَه؛ فترى المادَّةَ الواحدَةَ تستحيلُ إلى أجزاء مختلفة؛ يَستقلُّ كلٌّ منها عَن الآخر بِوصفٍ يُنَاسبُ ما هو له؛ فانظر إلى مادة العظامِ وكيف كانت صُلبةً لما كانتْ لحملِ الجسد وقُوَّتِهِ وتَحَمُّلِهِ؛ ودونَها في الصلابَةِ الغضاريفُ التي جُعِلَتْ في المفاصِل؛ إذ الغَرَضُ منها تيسيرُ أشكالِ الحركةِ التي بِها قِوَامُ حياةِ الإنسان؛ ولو كانت كالعظام في الصلابةِ مَنعته من ذلك!.

وانظرْ إلى مادةِ الظفر في اليدين والقدمين؛ كيفَ كان قِوَامُهُمَا يَتَّفقُ معَ ما وُجِدَا لُهُ مِن أنواع التصَرُّفاتِ باليدين كالقبضِ والبسطِ؛ والمشي بالقدمين؛ ولو كانتْ الأظفارُ من العظامِ تَعَذّرَ الانتفاعُ بِها؛ وكذا لو كانت من اللحم لضَعُفَتْ عن المطلوبِ مِنها.

ثم أمعِنِ النظرَ في مادَّةِ العينِ؛ وكيفَ كانَ جِرْمُها مِن مادَّةٍ شحْمِيَّةٍ هي الغايةُ في اللطافَةِ التِي تخدم مقصود الإِبْصار؛ وكيفَ جُعِلَتْ في محاجِرَ لِحِفْظِها؛ وأُحيطَ كلٌّ مِنها بَجَفْنَينِ مِن أعلاها وأسْفَلِها يَنْطَبِقانِ المرةَ بعدَ الأخرى لتَنْظِيفِها مما يعرض لها من الغبارِ والقذى؛ فَتَبْقى آلةُ الرؤيةِ صافيةً نقِيَّةً؛ ويبقى المرْئيُّ واضِحاً بَيناً؛ وإنما كان انطِباقهما مدة من الزمنِ يسيرةً ليتناسبَ مع عملها؛ لأنه لو طال كان مانِعاً من الرؤْيَةِ؛ ولو لم ينطَبِقا البَتّةَ ضَعُفَ الإبصارُ لما يُصيبُ العين من ترابٍ ونحوِهِ، وجُعِلَ الدمع في العينِ لِيُسهِّلَ انطباقَ الأجْفانِ و ليقوم مقام الأُشنان والصابون لها، وجُعِلَ على كلِّ شُفْرٍ من أشفارِ العينِ أهدابٌ وهي الشعرُ النابِتُ عليها للغرضِ نفْسِهِ؛ ولتكون كالشبكةِ يُرى من خِلالِها ولا تمنعُ الرؤيةَ إن احتِيجَ إلى ذلك.

وتأملْ بعد ذلك في خَلْقِ مادّةِ الشَّعْرِ وكيفَ كانت تختلفُ عن ذلك كلِّهِ لما يُرادُ بِها من الزينةِ الظاهرةِ وغير ذلك من المنافع.

وتأمل في خلْقِ العروقِ والدم؛ والجلدِ واللحم والعصب؛ وكيف كان كلٌّ منها يُلائِمُ وظيفتَها والهدَفَ مِنْها؛ وأصْلُ ذلك كلِّهِ شيءٌ واحد!.

وتأمل كيفَ جُعِلَ لكلِّ شيءٍ منها لون يُناسِبُهُ؛ فلا الشعر له لون الدم؛ ولا الدم له لون الشعر ولا الجلد؛ وقد قيل: إن الحكمةَ في خلْقِ الدم أحمرَ اللونِ أن لون الحمرةِ لهُ سَلْطَنَةٌ وقوةٌ؛ ومن ثَمَّ كانَ الدم في بَدنِ الإنسانِ من مُبْتَدأ كونه نطفةً إلى آخرِ عمُرِهِ غالِباً عليهِ تَهْييجُ الشهوةِ ونشاطُ الخاطر.

وتأمَّلْ بعْدَ ذلك في خلقِ قامَةِ الإنسانِ؛ وكيفَ جاءتْ مُنْتَصِبَةً قائمَةً على خِلافِ غيرِهِ من الحيوانِ؛ وذلك والله أعلمُ لِما أرادهُ الله تعالى مِنْ كرامَتِهِ؛ ولِيكونَ مُمَيِّزاً له عن غيرهِ من الحيِّ الذي لا يَعقِلُ ولا يَنْطِق؛ ولِتَكونَ هِمَّتُهُ عَلِيَّةً آفاقِيَّةً يَتَحَقَّقُ بِها المقصودُ من استخلافِهِ في الحياة. وهذا أحسَنُ من التعْليلِ الذي ذكرهُ أبو حيانَ عليَّ بنُ محمدٍ التوحيديُّ في كتابِ الهوامِلِ والشَّوَامِل، وغيرهُ من الفلاسِفَةِ في كُتُبِهِم؛ والله أعلم.

ومن وراء ذلك كلِّهِ صُنْعُ الله تعالى في النَّفْس البشريَّةِ وكيفَ أودعَ فيها من الأسرارِ ما لا يَعْلمُهُ إلا هو سبحانه!.

فَتَأمَّل كيفَ جعلَ فيها ثلاثَ قُوَىً:

القُّوَّةَ العاقِلَةَ؛ وهي أعلاها؛ ومحلها الدماغ.

والقوة الغضَبِيَّةَ؛ وهي أوسطُها؛ ومحلُّها القلب.

والقوةَ الشهوانية؛ وهي أدناها؛ ومَحَلُّها البطنُ والفرج.

وتَأمَّل كيفَ كانت الأولى أعلاهُنَّ وأشْرَفَهن؛ إذ بِها يتميزُ الإنسانُ عن سائرِ مخلوقاتِ الله تعالى؛ وهِي مَحلُّ التكليف!، وكيفَ جَعلَ لها القدرةَ سبحانَهُ على التفكرِ في خلْقِ السماواتِ والأرضِ؛ والسباحةِ في ملكوتِهما؛ واستيعابِ ما يردُ عليها من أنواع العلومِ والمعارفِ والأفكار، حتى قَرأتُ في بعضِ المواضِعِ عن بعضِ الأطِبَّاءِ المعاصِرِينَ أن عَقْلَ الإنسانِ يَسْتَوعِبُ تِسْعِينَ ألفَ ألْفِ سِجِلٍّ من المعلوماتِ!!. فَتبارك الله أحسنُ الخالِقين.

وأما القوّةُ الثانِيةُ وهِي الغَضَبِيَّةُ؛ فالمرادُ بها ما يَعْرِضُ للقلبِ والنفسِ من الأحوالِ المخْتَلِفَةِ والعوارضِ الوصْفِيَّةِ الحسنِ منها والقبيح، كالْحُبِّ والكُرْهِ؛ والصبرِ والضجَر؛ والإخلاصِ والرياء؛ والغضبِ والرضا؛ ونحوِ ذلك، وإنما سُمِّيتْ بالغَضَبِيَّةِ لأنّ الغَضبَ هو الصفةُ الغالِبَةُ على هذه القوة، ولأنَّها أعظم أثَراً على النفسِ من غَيْرها، وهي من أعظمِ أسبابِ بقاء النوعِ الإنسانِيِّ وسعيِهِ في الحياة!؛ وما يقع بين الناسِ والأمم من التنافُسِ والحروبِ فإنما هيَ المُحَرِّكُ له؛ والسرُّ الكامِنُ وراءَهُ!، ولذا نبَّهُ الشارِعُ على خَطَرِها في قولِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِمنْ قال له أوصِنِي: فقال: لا تغضب.


وأعجَبُ العجبِ في هذه القوةِ أن الإنسانَ لما كانَ مَخْلوقاً من مادةِ الأرضِ التي هي الطينُ والتراب؛ كان شأن الأنسانِ كشأْنِ أُمِّهِ الأرضِ التي خُلِقَ منها وإليها يعودُ؛ فإن العلماء قد ذكروا أن الأرضَ مَخْلوقَةٌ مَدْحُوَّةٌ على هَيئةِ البَيْضة؛ وأنَّ الحرارةَ في داخِلِها تزدادُ كُلَّما ازدادَ العمقُ في باطِنِها؛ وتَنْصَهِرُ الموادُّ في باطِنِها لِشدَّةِ حرِّها كما يُشاهَدُ من البراكينِ إذا ثارت، وهكذا شأنُ القوة الغضبيةِ في النفس البشريَّةِ كلما سَبَرْتَ غَوْرَها وكشَفْتَ عن أسرارِها وَجدْتَها أكثرَ تعقيداً واضطِراباً وأعْسَر على الفهمِ وأحوجَ في الكشفِ عن عِلَلِها وآفاتِها إلى دِقَّةِ النظرِ وسَعَةِ الإدراك!، ولِذا كانَ تَرْويضُ النفسِ وتَهْذيبُها وتطهِيرُها من الأدناسِ القلْبِيَّةِ التي تعْلَقُ بها أَمْراً شاقّاً على النفسِ؛ ولهذا كانَ لا سبيلَ إلى إصلاحها إلا عن طريق الشرع؛ معَ أنَّ سعادةَ الدنيا والآخرةِ موقُوفَةٌ على صلاحِ الأحوالِ القلْبِيَّةِ، والله المستعان.

وهذه القوّةُ الغضبِيَّةُ من بعدُ إنْ هَذّبَها الشَّرْعُ وكانَ الحاكِمَ عليها كان الإنسان معها عُلْوِيا؛ وارتَقى بِها المرْءُ إلى مراتِبِ الصدِّيقين؛ وسَرَحَ العقلُ مَعَهَا في مجالِ النَّظَرِ بقدرِ ما يُسَرِّحُهُ النقلُ؛ وإلا كانتْ حجاباً يحولُ بينَهُ وبينَ مُشاهَدَةِ مَلَكُوتِ السماواتِ والأرضِ وآلاءِ اللهِ تعالى و نِعَمِه.

فإن غلَبَتْ صاحبَها؛ ومَلَكَتْ خِطَامَهُ وزِمامَهُ انحَطَّتْ بِهِ إلى أَسْرِ القُوَّةِ الشهوانِيةِ؛ فأثقَلَتْهُ بِقُيُودِها؛ وصارَ عَبدا آبِقاً مسَخَّراً لخِدْمَتِها؛ فاستَحقَّ دُعاءَ النبيِّ صلى الله عليه وسلَّم فيما رواهُ البخاريُ في الصحيحِ عن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه: تَعِسَ عبدُ الدينارِ؛ وعبدُ الدِّرْهَمِ؛ وعبدُ الخَمِيصَةِ؛ إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وإنْ لم يُعْطَ سَخِطَ؛ تَعِسَ وانْتَكَسَ وإِذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ... الحديث.

وما أَحسَنَ ما قالَهُ بعضُ الحكَماءِ لما ضَرَبَ للإنسانِ مَثلاً فقالَ لصاحبِهِ: أما تعلمُ أن الحَمامَ إذا كان سَمائيّاً كانَ أَغلى ثَمَناً؛ وإذا كانَ أرْضياً كانَ أقَلَّ ثمنا!.

وانظرْ بعد هذا كلِّهِ في شأنِ الإنسانِ معَ ما سَخَّرَ الله تعالى له مِمَّا في السماواتِ والأرضِ جميعاً منه؛ وكيفَ أَلْهَمَهُ الانتِفاعَ بِهِ والكشْفَ عَمَّا أوْدَعَهُ فيهِ من المنافِعِ والحكِمِ والأسْرار؛ لِيَعْمُرَ الكونَ والحياةَ؛ ولِيَقومَ بِحقِّ الله تعالى عليه؛ فانتَفَعَ بِذلكَ في خاصَّةِ نَفْسِهِ؛ كما انتَفَعَ بهِ في بِناءِ الأمم وتَشْييدِ الدول.

فانظُرْ إلى الإنسانِ كيفَ نَظَرَ في آحادِ المخْلُوقاتِ من الحيوانِ؛ وعَرَفَ أن بينَ أخلاقِها تَفاوُتاً؛ وأنَّ في أخلاقِها ما يُحْمَدُ وما يُذَمُّ؛ فتعلّم من هذه ومن تلك!.

فتراهُ وقد تَعَلَّمَ الشجاعَةَ منَ الأسد؛ والثباتَ والغارَةَ من الذئْبِ؛ والبكورَ في الحوائجِ من الخِنْزير؛ والكُمونَ من الفأرِ وبعضِ السِّباع؛ والتَّقدُّمَ أمامَ القطيعِ من الفيل؛ وعِزَّةَ النفسِ من الخيل؛ والأنَفَةَ من الجمل؛ والوفاءَ والنُّصْحَ للصاحبِ والأهلِ من الكلب؛ والتلَطُّفَ عندَ المسألَةِ من الهرَّة؛ والحذرَ من الغُراب؛ ونَحْوَ هذا.

وربُّما تَعَلَّمَ من هذه الأوصافِ ما يَحْتاجُ إلى اجتِماعِهِ في مَوضِعٍ واحد؛ كما قيل في صفةِ قائدِ الحربِ:

ينبَغي للقائدِ العظيمِ أن يكون فيه عشرُ خصالٍ من ضُرُوبِ الحَيَوان: سخاءُ الديك؛ وتَحَنُّنُ الدجاجةِ؛ ونَجْدَةُ الأسد؛ وحملةُ الخِنْزير؛ ورَوَغانُ الثعلب؛ وصبرُ الكلب؛ وحِراسةُ الكُرْكُيّ؛ وحذرُ الغراب؛ وغارةُ الذئب؛ وسِمَنُ بعروا ( دابةٌ بِخُرَاسانَ تسمنُ على التَّعَبِ والشقاء). وقد حُكِيَ هذا عن أبي إسحاقَ السُّرْمارِيِّ الإمامِ المحَدِّثِ المجاهِدِ شيخِ الإمامِ البخاريِّ، ونسبَهُ أبو حَيَّانَ في الإمتاعِ إلى حُكماءِ الترْكِ؛ والله أعلم.

وتراهُ على الضدِّ من ذلك وقدْ عَرَفَ مَذموم الأخلاقِ فيها: كالحقْدِ في الجملِ والفيل؛ والغدْرِ في الذئبِ؛ والرَّوَغَانِ والمكْرِ في الثعلب؛ والبلادةِ في الحمارِ؛ والظلمِ في الحيَّة؛ وشدة العداوةِ في العَقرب؛ والخبْثِ في القردِ؛ والحُمقِ في الحُبارَى (طائرٌ طويلُ العنقِ يشبهُ الإوَزَّة)؛ والكذبِ في الفاخِتَةِ؛ واللؤمِ في الكلْبِ على الجيفَةِ؛ والعقوقِ في الضبِّ، وغيرِ هذا مما لم نذْكُرْهُ.

وكلُّ هذا يتعلم منه مَحَاسِنَ الأخلاقِ ومَساوِئَها؛ حتَّى قيلَ: إن الإنسانَ صفْوُ الجِنْسِ الذي هو الحيوان.

وتأمَّلْ حالَ الإنسانِ وهو يتعلَّمُ منَ النَّملِ الصبرَ والمثابَرةَ على العَمل؛ ومنَ النَّحْلِ الأمانَةَ في الأخذ والعطاء، ويتعلم من هاتينِ الأمَّتَينِ الهَندسةَ والتعاونَ في البِناءِ؛ وسياسَةَ الأممِ وإقامَةَ الدول.

وهو منْ بعدُ يَسْعى في الكشفِ عما أودَعَهُ الله في هذا الكوْنِ من المنافِعِ وأسْرارِها؛ وإزَاحَةِ الحُجُبِ عن نَوَامِيسِها:

فعرفَ البَرَّ وجبالَهُ؛ وهضابَهُ و وِهَادَهُ؛ وما فيه مِنْ حيٍّ ونَباتٍ وجَماد؛ وما فيهِ من غازٍ وصُلبٍ وسائل؛ وميَّزَ بين مراتِبِ الانتِفاعِ بذلك كلِّهِ، كما صَنعَ في النباتِ فعرفَ ما يَصلحُ منه للإنسانِ وما يصلحُ للحيوان؛ وفرَّقَ بين الغذاءِ منه والدواء، كما عَرفَ ما لا يصلح لشيء من ذلك؛ وإنّما هوَ للأثاثِ والبِنَاء.

وهكذا شأنُهُ مع البحرِ!؛ استخرجَ منه المطعومَ والملبوس؛ كما كشفَ عن ناموسِهِ وقانونِ تسخيرهِ؛ فأجْرَى فيه الفُلْكَ في البحرِ كالأعْلامِ تَجْرِي بِقُدْرَةِ الله تعالى.

ثمَّ انظرْ إلى المُجْتَمَعِ الإنسانِيِّ يومَ كانَ في مَهْدِ وجُودِهِ على الأرضِ؛ حينَ أسكََنَهُ الله تعالَى الأرضَ وسخَّرها له؛ كيفَ كانَ شأنُهُ إذا ذاكَ شأنَ الوليدِ في حجرِ والديْهِ؛ يُولَدُ وهو لا يَعلم شيئاً؛ وقدْ جعلَ الله تعالى له السمعَ والبَصَرَ والفُؤادَ؛ وهي آلاتُ العِلْمِ؛ فلا تزالُ تحصُلُ له المعرِفَةُ بِواسِطَتِها شَيئاً بعدَ شيءٍ؛ كلٌّ على قَدْرِ سَعْيِهِ وعِنايَةِ والِدَيْهِ بهِ.

وهكذا المجتمعُ الإنسانِيُّ في جُمْلَتِهِ؛ لا يَزَالُ يَرتَقِي فِي سعْيِهِ في البحثِ عن نِعَمِ الله وآلائِهِ وما أوْدَعَ الله فِيها من النوامِيسِ والأسرارِ دَرَجَةً بعدَ دَرَجَةٍ؛ يَتَنافَسُ في ذلكَ الأفرادُ كما تَتَنَافَسُ فيه الأُمم والدول!؛ حِكْمةٌ بالغَةٌ!؛ لِيَبْقَى المُحَرِّضُ الكامِنُ وراءَ السَّعْيِ في الحياةِ ناهِضاً، ولِيَعْلَمَ الله من يَنْصُرُهُ ورُسُلَهُ بالغَيْبِ إن الله لَقَوِيٌّ عَزيز.

فَتَفَكَّرْ فيما ذكرْناهُ لكَ من نِعَمِ الله عليكَ، في نَفْسِكَ أوَّلاً؛ ثمَّ فيما سَخَّرهُ لكَ ثانِياً، واعْلَمْ أنَّ القاعِدَةَ قد اطَّرَدَتْ بأَنَّ مَنْ أَحْكَمَ صُنْعَ شَيءٍ وأتْقَنَهُ وتَأَنَّقَ في عَمَلِهِ فإنَّما يُرِيدُ بقاءَهُ ودَوَامَه؛ ولوْ أنَّهُ صَنَعَ ذلك لحاجَةٍ عارِضةٍ تزُولُ سريعاً وتنْقَضِي لَكان مُخَالِفاً لما تَقْتَضِيهِ الحكْمَةُ!؛ فكيفَ بِصُنْعِ الله الذي أتْقَنَ كلَّ شيءٍ؟!!.

وهكذا الإنسانُ؛ إنَّما خُلِقَ ليَبْقَى في نِهايَةِ أَمْرِهِ إمّا في الجنَّةِ دارِ السُّعداء جعلنا الله من أَهْلِها؛ وإما في النارِ دارِ الأشْقِياءِ أعاذَنا الله مِنْها.

وإنما الحياةُ دارُ التَّزَوُّدِ للآخَرَةِ؛ ومَثَلُ المسلِمِ فيها كمَثَلِ النَّمْلِةِ تَجْمَعُ في الصَّيفِ للشتاءِ؛ وهو يَجْمَعُ في الدَّنيا للآخِرَةِ.

وسبيلُ النجاةِ والفِكَاكِ:

أوَّلاً: في تَوْحيدِ الله تعالَى؛ وإفرادِهِ تعالى بالعبودِيَّةِ وحدَهُ لا شريكَ له؛ فلا يَدْعوا إلا الله؛ ولا يَتَوَكَّلُ إلا على الله؛ ولا يرْجُوا ولا يَخافُ أحداً إلا الله؛ فإنَّ الآجالَ بِيَدِهِ والأرزاقَ بيدِهِ سُبْحانَهُ؛ ولُزُومُهُ سَبيلَ الحقِّ لا يُقَرِّبُهُ من أَجَلٍ ولا يُباعِدُهُ من رِزْقٍ، كما قالَ تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. وقد صحّ أن النبيَّ صلى الله عليهِ وسلّمَ كانَ يقْرَأُ بِها فِي استفتاحِ الصلاةِ؛ ورُوِيَ أنه قرأَ بِها يوم عَرَفَةَ؛ ويَومَ الأضحَى على الذبيحَةِ؛ وهما ضعيفان.

ومِنْ تَوحيدِ الله تعالَى أنْ يُسَلِّمَ العَبْدُ لأمْرِهِ؛ ويَتَحاكَمَ إلى شَرْعِهِ؛ فلا يَحْتَكِمُ إلىٍٍ شَرْعٍ موضوع؛ ولا قانونٍ مختلقٍ مصنوع؛ ولا عُرْفِ قَبِيلَةٍ؛ ولا عَادَةِ أهلِ بادِيَةٍ؛ ولا إلى ما نَشَأَ عليهِ وألِفَهُ؛ فكلُّ ذلكَ من الهوى الذي يَصدُّ عن دينِ الله تعالى؛ نسألُ الله السلامَةَ والعافِيَةَ، وإنما صارَ حالُ المسلمينَ إلى ما صارَ إليهِ لَمَّا ابْتُلُوا بالإعراضِ عن دينِ الله وشرْعِهِ إلى شرائعِ اليهودِ والنصارى وغَيرِها من الشرائعِ الوَضْعِيَّةِ الأَرْضِيَّةِ، فصارُوا بعد العِزِّ إلى ذُل؛ وبَعْدَ الكَرامَةِ إلى هوانٍ؛ وللهِ الأمْرُ من قَبلُ ومِنْ بِعدُ.

واعلَمْ أنَّ توحيدَ العبد لرَبِّهِ وخالِقِهِ فيه طُمَأنينَةُ النفْسِ ورَاحَةُ البال؛ كما أنَّ فيهِ من الأسرارِ تَعْويدَ العبدِ عُلُوَّ الهمَّةِ والاعْتِمادَ بعدَ الله تعالى على النفسِ في تَحْصيلِ مصالِحِ الدنيا والآخرَةِ، ولو تأّمَّلْتَ في حالِ مَنْ أَخلَّ بِهذا الأصْلِ الذي هو أمُّ الأصُولِ كلِّها رأيتَ فيهِ من العجْزِ والكسلِ والتواكُلِ بقَدْرِ ما أخلَّ منه وخَدشَ من صفائه.

ثانياً: أن يَكونَ ولاءُ المؤمِنِ للهِ ولرسوله والمؤمنين؛ لا يُحِبُّ إلا لله؛ ولا يُبْغِضُ إلا لله؛ فلا يَعْقِدُ الولاءَ لِحِزْبٍ ولا طائِفَةٍ؛ ولا تأْخذُهُ حَمِيَّةُ الجاهِلِيَّةِ في نَصْرَةِ قومٍ ولا لُغَةٍ؛ ولا شيخٍ ولا مَذهب؛ وذلك أوثقُ عُرى الإيمان، كما أنّهُ من أَعْظم أسبابِ اجتماعِ كَلِمَةِ المسلمين؛ فإنهم مأمورونَ أن يكُونوا كالبُنْيانِ المرْصوصِ يشدُّ بعضه بعْضا ولا يكون ذلك إلا بما ذكرْناه.

وقَدْ طالَعْنا تواريخَ المسلمين؛ فما رأَيْنا شيئاً كانَ أَضرَّ عليهم بعدَ الشرْكِ بالله تعالى من نقضِ هذا الأصْلِ وهدم هذا الصَّرح، حتى كانَ من أَخْطرِ الثغورِ التي نَفِذَ منها عدوُّ الدين على مَرِّ التاريخِ لتَمْزيقِ شملِ الأُمَّةِ وتَفْتِيتِ وِحدَتِها.

وفي تفسير القُرْطُبي (3/64): صحبةُ المشركين ومُعاشَرَتُهم تُوجِبُ الانحِطاطَ في كَثِيرٍ من هواهم. انتهى.

و الحَيْطَةُ والحذَرُ واجبانِ في هذا الْمَوْطِنِ؛ فإنَّ للشيطانِ فيهِ من المَدَاخِلِ والمَرَاصِدِ ما يَلِبِّسُ بِهِ على كثيرٍ من العلماءِ والصالحين؛ فضلاً عن العامَّةِ من المسلمين؛ وبحثُهُ والكلامُ عليهِ في محَلٍّ آخرَ إن شاءَ الله.

ثالثاً: التمسُّكُ بما تَرَكَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلمَ عليهِ أمَّته من الهَدْي؛ والحذرُ مِن الأهواءِ والفِتَنِ المُضِلَّةِ التي تأخذُ بالمرءِ ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمال، ولِزَمانِنَا وأَهلِ زَماننا منها النصيبُ الأوفَى!!؛ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله.

وإنما تَحْصُلُ العِصْمَةُ ويَتِمُّ ذلك للعبدِ بالعِلْمِ الذي بهِ صلاحُ العَمل، فَمَنْ وُفِّقَ لِطَلبِهِ وأُعينَ عليهِ فذاك؛ وإلا فقد أرْشَدَهُ الله تعالى بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}؛ وقدْ ذكرَ الشاطِبيُّ رحمَهُ الله في الاعْتِصامِ (1/478) خَمسَةَ أقوالٍ في الجَماعَةِ التي أٌمِرَ المُسْلِمُ بالاعْتِصامِ بِها؛ القولُ الثاني منها: جماعَةُ أئِمَّةِ العُلَماءِ المُجتهدين.

وفي كَشاف الزمخشريِّ عند قولِهِ تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ}: قالوا: كذلك ينْبَغي أن يَكونَ الناسُ معَ أئمَّتِهم ومُقَدَّميهم في الدينِ والعِلْمِ يُظاهِرُونَهم ولا يخذلُونَهم في نازلةٍ من النوازِل؛ ولا يتفرّقون عنهم. انتهى.

وقال ربُّنا تبارك وتعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا}؛ قال أبو شَامَةَ في مُخْتَصَرِ المؤَمَّل: فضمنَ الهدايَةَ سبحانَهُ في طاعَةِ رَسُولِهِ؛ ولَم يَضْمَنْها في طاعَةِ غَيْرِه. انتَهى.

أقول: صدقَ رَحِمَهُ الله؛ غَيْرَ أنّ من حُرِمَ التوفِيقَ؛ استدْبَرَ الطريقَ!؛ نسألُ الله السلامةَ والعافية.

رابِعاً: أنْ يَضْطَلِعَ المسلمُ بما كَلَّفَهُ الله تعالى بهِ في هذه الدنيا مِنَ العَمَلِ على إقامةِ دينه وشَرْعه؛ والحَذرَ الحذرَ من الفَصْلِ في السعْيِ في هذه الحَياةِ بين مَصالِحِ الدنيا ومَصالِحِ الآخِرةِ؛ فلَيْسَتْ العبادَةُ هِيَ الصلاةَ والصومَ والذِّكرَ فحَسْبُ، بل كلُّ سَعْيٍ يُرادُ به التمكينُ لدينِ الله؛ وكلُّ علم نافِعٍ تَكونُ به الغلَبَةُ لأهلِ الإسلام فتَحْصِيلُهُ على أهلِ الإسلامِ من فُرُوضِ الكفايات؛ كما صرّح بذلك الغزاليُّ وغيرُهُ من العلماءِ رحمهم الله.


وفي المجلَّدِ الخامسِ من الفتاوي الكُبرَى لابنِ تَيْمِيَةَ رحمه الله أَنَّ تعَلُّمَ العلْمِ وتَعْليمَهُ يَدْخُلُ بعْضُهُ في الجهادِ في سبيلِ الله؛ وأنه من أنواعِ الجهادِ من جِهَةِ أنه من فُرُوضِ الكفايات.

خامسا: وإذا كان الله تعالى قد جَعلَ الإنسانَ خليفَةً في الأرض؛ فإن الحقَّ في ذلك للمُسْلِمِ الذي أسلَمَ الوجْهَ لله ربّ العالمين؛ لا للكافِرِ الذي جحدَ خالِقَهُ؛ وكفَرَ بِعِبادَتِهِ لِرَبه!؛ فإن العبد العاصيَ الخارِجَ عَنْ طاعةِ سيده وموْلاهُ لا حقّ له في إنعَامِهِ وإحسانِهِ؛ وهكذا هنا، وقد جرَتْ سنةُ الله تعالى في خَلْقِهِ بالتَّدافُعِ بين الحقِّ والباطلِ؛ وأنه لا مَحَلَّ ولا مَنْزِلَةَ في هذه الحياةِ لأُمَّةٍ من الأُمَمِ إلا إذا كانَتْ مَرْهُوبَةَ الجانِبِ؛ مَصُونَةَ الحِمَى؛ قدْ جَمَعَتْ بين سُلْطانِ العِلْمِ وسُلْطانِ الجسم!، وإلا عاشَتْ حياةَ الذلّةِ والمهانَةِ؛ وتسَلّطَ عليها غيرُها من الأُمم!، وليسَتْ أمةُ الإسلام بِمَعْزِلٍ عن هذه السنةِ الكونيّةِ؛ سنةَ الله ولن تَجِدَ لسنَّةِ الله تَبْديلاً؛ ولن تجدَ لسنةِ الله تحويلا.

أسألُ الله تعالى أنْ يَهْدِيَنا وسائرَ المُسلِمينَ سواءَ السبيلِ؛ وأنْ يُمَكّنَ لدينِهِ في الأرْضِ إنه هو القويُّ العزيزُ.

وصلى الله وسلم وباركَ على سَيِّدِ الأنْبِيَاءِ والمرْسَلِين؛ نبينا محمدِ وعلى آلِ بَيتهِ الطاهِرين؛ ورضي الله عن صحابته والتابعين. والحمدُ لله رب العالمين.




{كتبه أحد مشايخ الثغور في أرض الإسراء و المعراج فلسطين الحبيبة}

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kssoom.yoo7.com/forum
الطائر الجريح
ا لمشرف العام
ا لمشرف العام
الطائر الجريح


mms mms : العبادة و الحياة  1172326161
عدد المساهمات : 762
السٌّمعَة : 2
تاريخ التسجيل : 04/08/2010

العبادة و الحياة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: العبادة و الحياة    العبادة و الحياة  Icon_minitime1الأحد أكتوبر 31, 2010 12:27 pm

[b]بارك الله فيك وبكاتب هذا الموضوع الرائع
حقا يا أخي جهد متميز , وهذا دليل اخر على انك
متميز ...........ورائع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الغافل
صاحب المنتدى
صاحب المنتدى
الغافل


mms mms : العبادة و الحياة  1172326477
عدد المساهمات : 1148
السٌّمعَة : 10
تاريخ التسجيل : 27/04/2010

العبادة و الحياة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: العبادة و الحياة    العبادة و الحياة  Icon_minitime1الخميس نوفمبر 25, 2010 8:45 am

العبادة و الحياة  11071009114905mkr3lt
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kssoom.yoo7.com
 
العبادة و الحياة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» أساس الحياة الزوجية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات قسوم :: القسم الاسلامي-
انتقل الى: